عندما أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه محمّد عليه الصّلاة والسّلام والمسلمين بالهجرة من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة، توجّه النّبي الكريم بوجهه تلقاء المدينة التي ولد فيها وترعرع وهو يقول والله إنّك لأحبّ البلاد إلى الله تعالى وأحبّ البلاد إلى نفسي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت أبدًا.
إنّ هذه العبارة النّبويّة تدلّ على حبّ الإنسان لوطنه مهما كانت الظّروف والأحوال، فالنّبي والمسلمين قد لاقوا من الأذى والتّنكيل في مكّة الكثير فحوصروا وعُذّب بعضهم في رمضاء مكّة، وعلى الرّغم من ذلك كلّه بقي حبّهم لتلك البقعة المباركة في قلوبهم، وما نسوا رغم ارتحالهم عنها أنّها الموطن الأوّل وبلد النّشأة والمولد والذّكريات الجميلة.
تحقيق مفهوم الوطنية إنّ مفهوم الوطنيّة الذي ينبغي أن يتحلّى به كلّ إنسانٍ يعيش على تراب الوطن يعني الكثير من المعاني، ويفرض على الإنسان الكثير من الواجبات والالتزامات؛ فالوطنيّة لا تعني الاستفادة من خدمات الوطن واستنزاف مقدّراته فقط، بل هي مفهوم يدلّ على حسّ الانتماء إلى الوطن والولاء له، وحتّى يحقّق الإنسان هذا المفهوم في نفسه يجب عليه أن يقوم بما يلي :
- أن يكون وطنه أحب إليه من جميع الأوطان؛ فالإنسان الذي يحبّ وطن غيره أكثر من وطنه ترى ولاءه ناقص وشعوره الوطني مهزوز يتغيّر بتغيّر الظّروف والأحوال، بينما ترى الإنسان المحبّ لوطنه أكثر وطنيّةً وإخلاصًا وولاءً له.
- أن يعلم الإنسان أنّ وطنه ينتظر منه أن يؤدّي إليه عددًا من الواجبات، فكما أنّ للإنسان حقوقًا على وطنه حيث يتلقّى فيه تعليمه، ويعيش على ترابه يتنعّم بخيراته، ويستفيد من مرافقه وخدماته، فإنّ عليه أن يقابل كلّ ذلك بالمسؤوليّة الوطنيّة؛ بحيث يحافظ على مرافق وطنه فلا يقوم بتخريبها، وأن يستخدم موارد وطنه وينتفع منها دون أن يسرف فيها أو يهدرها؛ فالماء والكهرباء كلّها من نعم الأوطان وخيراتها، وإنّ الحفاظ عليها يعدّ واجبًا وطنيًّا ومسؤوليّة اجتماعيّة تحقّق مفهوم الوطنيّة الصّادقة .
- أن يكون الإنسان مستعدًا للدّفاع عن وطنه في أيّ وقتٍ يتعرّض فيه وطنه للاعتداء أو التّهديد، وهنا تتجلّى الوطنيّة الصّادقة حينما ترى الإنسان لا يتردّد للحظةٍ في الدّفاع عن وطنه وتلبية نداء الواجب والمرابطة في الثّغور، بينما ترى الإنسان فاقد الوطنيّة متردّدًا في الدّفاع عن وطنه، ولا يشعر بالمسؤوليّة اتجاه .
- أن يعلم الإنسان أنّ وطنه هو جزءٌ من الوطن العربي والإسلامي الأكبر؛ فقد نجح الاستعمار في تفريق الأمّة إلى أوطانٍ كثيرة، وأنّ الأصل هو تعلّق قلب المسلم بوطنه الأكبر الذي تجمع أقطاره قواسم مشتركة واحدة وهي الدّين واللّغة والهدف الواحد.